23 Jul, 2007
الشرطة هنا والشرطة هناك
الكاتب: محمد شدو | التصنيف: الحياة اليومية في أمريكا , مظاهر وأسباب التقدم
ما زلت أعني بـ “هنا” مصر، وبهناك أرض مهجري الحالية، رغم كوني الآن في الهناك، أما الهنا فيفصل بيني وبينه محيط واسع وأميال تعد بالآلاف. ولكن يبدو أن أرض الميلاد وأرض الحياة الأولى حقيقة من حقائق كل إنسان، لا يمكن أن تفصلها عنه أو أن تفصله عنها، أو كما تقول الكلمة الأمريكية التي سمعتها ذات مرة من فتاة من ولاية تكساس: تستطيع أن تأخذ البنت من تكساس، ولكن لا يمكن أن تأخذ تكساس من داخل البنت:
You can take the girl out of Texas, but you can’t take Texas out of the girl
هذه مقدمة لمقارنة بسيطة أود أن أعرضها عليك، وهي بين الشرطة في مصر والشرطة في أمريكا، وسوف أحكي تجربتي الأولى مع الشرطة في أمريكا، وكنت مهاجراً جديداً منذ شهور قليلة، ولم تكن لي تجربة مع الشرطة في العالم الجديد. كنت أعمل في مطعم يملكه مصري، وكنا نحن العاملون المصريون نستأجر بيتاً ونقيم فيه معاً في ولاية كارولينا الشمالية. ذات ليلة وصلنا اتصال أنا وأحمد شريكي في غرفتي من أحد المصريين المقيمين معنا قائلاً أن أحدهم تسلل داخل البيت وكسر باب الغرفة – المغلفة بالمفتاح – وسألنا أن نعود سريعاً لنقدر ما فقدناه على يد السارق. عدت وأنا خائف أن أكون فقدت جهاز الكمبيوتر المحمول الذي اشتريته حديثاً ووضعت فيه كل ثروتي بعد بضعة شهور في الولايات المتحدة، ولكني وجدته سالماً ولله الحمد. ويبدو أن السارق كان مدمنا وكان يبحث فقط عن أموال نقدية ولا يريد أن يضيع وقتاً في البحث عن أشياء عينية. وكنت أنا المتضرر الوحيد إذ سرق مني مبلغ مالي صغير.
قرر أصحابي في السكن إبلاغ الشرطة وعمل محضر، وكنت أنا متمدداً على مرتبتي – لم نكن ننام على سرير ولكن على مرتبة نضعها فوق الأرض – وعلى رجلي جهاز الكمبيوتر. كنت في هذا الوضع حين ناداني أصحابي قائلين أن الشرطة هنا لعمل تحقيق. لم أشعر أن علي أن أغير من وضعي، فقلت لهم فليتفضلوا أهلاً ويجيئوا إلي سهلاً! فلم أقتنع أنه علي أن أقوم أو أن أعتدل في جلستي لأحد. ثم دخل على ضابط الشرطة وبدأ في إجراء التحقيق وإلقاء الأسئلة علي، وأنا أنظر حينا في شاشة الكمبيوتر وحينا أرفع إليه رأسي وأجاوبه. كان أصحابي يشعرون بالحرج والدهشة، رغم أن معظمهم كانوا في البلد من قبلي بسنوات. أنهى الضابط تحقيقه ثم شكرني وذهب إلى حاله.
هذا هو الموقف باختصار. بعد أن حدث ذلك بزمن يسير تذكرته وانتبهت إلى شيء، قلت لنفسي ماذا لو كنت فعلت الشيء ذاته مع ضابط مصري؟!! يا ترى كان سيتركني نائم في سريري أستخدم كمبيوتري وأنظر إليه بين الحين والحين لكي أرد عليه؟ ربما كان من دواعي ذهابي عن الحياة في مصر أنني لا أعرف كيف أطوع سلوكي للتعامل مع أهل السلطة في بلادنا!
أما ما لاحظته بعد ذلك فهو أن الشرطة في الولايات المتحدة يختلف مفهومها تماما عنها في مصر. كثيراً ما كنت أشعر أن معظم الشرطيون هنا -أو هناك من وجهة نظر مصري- هم أناس على درجة من اللطف وحسن الخلق. في مصر كنت أشعر أن اختيار رجل الشرطة يتضمن أن يكون “غلساً” صفيقاً، أما هنا فهم شباب أو شابات أو رجال وسيدات يتعاملون معك باحترام وتختلط بهم بيسر وتصاحبهم وتتكلم معهم في أي شيء تشاء، تسألهم عن عملهم وأحواله أو عن حياتهم الشخصية، الخ.
وأنا لا أقول أن كل المنتمين للشرطة في مصر هكذا، وأنا شخصياً لي ابن أخت ضابط ولي قريب آخر وصديق عزيز بدأ في الشرطة ثم تحول للنيابة. وكلاهما على درجة عالية من الاحترام لأنفسهم ولغيرهم. ولكن دعني أحدثك بما قاله لي قريبي حين كان طالباً في كلية الشرطة، قال لي أنهم في الكلية يعلمونهم كيف يتعالون على الناس، ويبثون فيهم ذلك بإلحاح، حتى أنه يجاهد نفسه كي لا يتأثر بذلك بالفعل ولكي يحتفظ بقدرته على التفرقة في تعامله مع الناس بين المجرمين وبين الناس المحترمين، حتى يعامل المحترمين بما يستحقونه من احترام! لذلك أشعر أن الوضع مقلوب في مصر، يعني في أمريكا أن تشعر أن الطبيعي أن الشرطي رجل لطيف وعلى قدر من الأدب تستطيع رؤيته بالعين المجردة!! أما الاستثناء فيهم صفيق قبيح. أما في مصر فالغالب أن الشرطي قبيح الخلق صفيق الوجه، وما عدا ذلك فهو الاستثناء ممن رحم ربي. يا ترى هل تغير من ذلك شيء في السنوات الخمس التي قضيتها بعيداً عن مصر؟