30 Aug, 2007
انت بتحب المدرسة؟
الكاتب: محمد شدو | التصنيف: الحياة اليومية في أمريكا , مظاهر وأسباب التقدم
حين نتحدث مع الأطفال فإننا غالباً ما نحصر الحديث في مواضيع قليلة، ظناً منا أننا بذلك ننزل إلى مستوى تفكيرهم حتى يفهموننا. ومن ذلك مثلاً سؤالنا لهم إن كانوا يحبون الذهاب إلى المدرسة. أما هذا السؤال بعينه، وهو محور حديثي الان، فلا تعرف حقيقة معناه حين نطرحه على أطفالنا في مصر، هل نطرحه بصيغة استفهامية حقاً؟ أم نطرحه عابثين ليقيننا أن الإجابة بـ”لا طبعاً”؟ وهل يشك السائل مثلاً أن الأمور ربما قد تحولت وأصبح الجيل الجديد يحب المدرسة؟ بل إن السؤال أحياناً ما قد يبطن شيئاً من السادية، إذ تذكر إنساناً بما تعلم أنه يكره!
هكذا الحال في بلدنا. وحين وجدت نفسي في الولايات المتحدة وقابلت بعض الأطفال من أبناء المصريين المقيمين هنا، رأيت أن أسألهم السؤال ذاته: “بتحب المدرسة؟”. والحقيقة أنني لا أسأله ظناً أنني أعلم الإجابة مقدماً، بل أسأله بعقل متفتح لمعرفة حقيقة المدرسة في هذا البلد. غير أن الإجابة تكون مفاجأة لي ومدهشة، إن الأطفال يحبون الذهاب إلى المدرسة! ولو كنت سألت السؤال مرة أو اثتنين بنفسي، فإنه يصلني من المهاجرين الآخرين على كبر نفس الدهشة، ربما لأنهم طرحوا السؤال أو سمعوا تعبيرات الأطفال عرضاً. فإجازة الصيف قد تكون مملة لهم، وهم في الصيف يتمنون عودة المدرسة، والأدهى من ذلك أنك قد تجد طفلاً يبكي لأنه يريد الذهاب إلى المدرسة!
أما التعليم في أمريكا فهو لا يعد نموذجياً وأهله يرون فيه نواقص كثيرة. وما زلت أذكر ما كتبه أنيس منصور وردده أكثر من مرة عن تقرير “أمه في خطر” الذي كان نتاج بحث أمريكي للكشف عن مواطن الضعف في نظام التعليم في بلدهم. وللأسف يبدو أننا لا ندرك مدى تأخر التعليم لدينا وانفصاله عن الحياة وعمن ينخرطوا فيه. نعم نعلم أنه تعليم سيء ولكن أجراس الخطر والعار لا تدق في الوعي الجماعي وتقلق الرؤوس. إن تعليماً مثل هذا يبدد عمر الناس، ويأكل سنين طويلة، ويستهلك فترات من عمر الإنسان المصري هي ذروة الخصوبة والحاجة للرعاية والتعلم. إن أطفالنا يستحقون الحزن ونحن نراهم يعانون هذا السوء، كما نستحق نحن أيضاً الحزن على زمن ضاع في مثل ذلك. والتعليم من المشاكل التي لا يمكن حلها على المستوى الفردي، فما تفعل أنت يا فرد لتصلح نظاماً كاملاً ومدارس تغوص في مستنقع منظومة الفوضى والإهمال، ولكن فرد بجانب فرد بجانب فرد يستطيعون. إن المصريين شعب ذكي وفيهم مواهب كثيرة، تصور حالهم لو صلح حال تعليمهم.
ولكي نقيس جودة التعليم فأقترح أن يكون المعيار هو هذا السؤال: “إنت بتحب المدرسة؟” .. فلو كانت الإجابة بأي شيء غير: “طبعاً بحبها”، يكون معنى ذلك أن النقص موجود وأن الجودة تحت المعدل الجدير بالرضا!!