في شهر نوفمبر من كل عام تفتح أمريكا ذراعيها للمحظوظين. أنت ترى مئات الإعلانات عن شركات تعدك أن تجعل لك موضع قدم في يانصيب الجرين كارد Green Card Lottery. لكنها طبعا تريد مالك، جنيهاتك أو دولاراتك. ويبدو أن كثيرين لا يعلمون أن التقديم على الجرين كارد عن هذا الطريق مجاني ومفتوح للجميع. اضغط هنا وسوف تجد الموقع الرسمي للتقديم، وهو الوسيلة الوحيدة المتاحة للراغبين، يعني على هذه الصفحات نفسها يدخل معلوماتك وصورتك من تدفع له مالاً لقاء المهمة السهلة، لا سيما لو كنت من خبراء التعامل مع الانترنت، شأن الكثير من أبناء هذا الجيل.
الواقع أن هنا البرنامج تعيبه أشياء كثيرة من وجهة النظر الأمريكية، لكنه بالطبع نعمة لأصحاب الحظ السعيد. أو هكذا يظن الراغبون في الهجرة. غير أن واقع المهاجرين يختلف كثيراً عن ظنون الحالمين. ولو أتيت هنا ستجد مهاجرين مرت عليهم سنوات طويلة في الهجرة وهم كما هم، لم تغير منهم الفرص المتاحة شيئاً ولم تبدل أحزانهم ومتاعبهم أفراحاً. وقد تجد رجالاً عاشوا في المهجر عشرات السنين وما زالوا لم يحسنوا لغة المهجر، يعانون نقص المال وسوء الحال، ليس لعجز خلقي عن التعلم والتقدم، ولكن لأن الإنسان لا يتغير بتغير المكان. لذلك أقول، لا يحسبن الطامح للهجرة أنها دواء من كل داء، فسوف يقابل كل منا نفسه، مهما عبر المحيطات وبعدت به المسافات.
لا أعني بالطبع لوم الهجرة أو هجاءها. فأنا أؤمن بالهجرة. ألا ترى المسلمين يبدأون تاريخهم بالهجرة؟! ويسمون عامهم عاماً هجريا! ولو نظرت في قصص الأنبياء فسوف تجد أن القدر باعد منهم من باعد عن أرض مولده، وذهب به سنين طويلة ليعيش مهاجراً غريباً. طالما رأيت في ذلك إشارات لكون الهجرة تجربة مهمة في بناء الإنسان. والحق أن الإنسان ليحن لأرض مولده أبداً، غير أن الحق أيضاً أنه على المرء ألا يقبل ما لا يليق بكرامة الإنسان، فإن أهانته أرض وجد غيرها، أو أصلح ما بها! والله أعلم.