الحياة في أمريكا

17 May, 2008

بلاغ إلى محكمة العقل والفطرة: خطبة جمعة تحاول خنقي في أمريكا

الكاتب: محمد شدو | التصنيف: الدين في أمريكا

تمهيد:
في المدينة الصغيرة التي أعيش فيها حالياً لا يوجد مسجد، ولكن يوجد مجمع للأديان داخل جامعة كورنلCornell University ، وهو مبنى مخصص للأديان جميعاً، تقام فيه صلاة الجمعة وغيرها من المناسبات الدينية الإسلامية. أما خطبة الجمعة فالتطوع لإلقائها مفتوح لمن يرغب، وهنالك بعض المتطوعين الدائمين للخطابة، أغلبهم ينتمي للجامعة، بعضهم عرب وبعضهم غير عرب. أنا شخصياً أضيق أشد الضيق ببعض هؤلاء الخطباء، وينشرح صدري حين أرى بعضهم الآخر. سوف تلحظ أثناء كل خطبة بعض أفراد يجلسون على دكة خشبية بدلاً من افتراش الأرض. هؤلاء جاءوا إشباعاً لفضولهم عن ماهية الإسلام والمسلمين، وبعضهم الآخر يأتي بصورة دائمة حتى تشعر أنه إنما يفعل ذلك في إطار بحث دراسي.

الموضوع:
اليوم دخلت المسجد لصلاة الجمعة في منتصف الخطبة. بعد بضعة دقائق بدأت سحابة سوداء في التحليق فوق رأسي. ومع مرور الوقت أصبحت كلمات الخطيب وأفكاره أكثر كثافة، فصعد منها سحاب أسود ثقيل، وشعرت بأحجاره تهبط فوق رأسي. والله أنا لست بهازيء ولا مبالغ، لكنني بالفعل شعرت بأثقال تضرب رأسي. ثم بدأت أشعر بالاختناق. قلت بصوت نافد الصبر، مسموع للجالسين بجانبي: أستغفر الله العظيم. وغمغمت أنني أود لو قمت احتجاجاً على ما أسمع من هراء. فكرت بالفعل للحظة أن أقوم أمام الجمع تعبيراً عن ضيقي بما أسمع وأغادر الخطبة. ثم حاولت أن أفكر في شيء آخر لكي أدفع عن رقبتي وصدري تلك الكلمات وهذه الأفكار، لكن هيهات. أوشك الخطيب على الانتهاء، ثم تلكك وأعاد، حتى قلت في نفسي: “اخلص بقى وصلي قبل روحي ما تطلع.” فبدأت الصلاة وداخلي غيظ شديد وشعور غريب، هو خليط من القهر والغضب والدهشة والكراهة! حاولت أن أهديء نفسي بالصلاة. وأنا أصلي فكرت ماذا أفعل، واقترحت على نفسي أن أذهب لهذا الشاب الأمريكي الجالس على الدكة الخشبية مستمعاً، وأتعرف عليه وأقول له أن الإسلام – كما أعرفه – بريء مما سمع لتوه. ودعوت الله أن يهديني لفعل ما يحب هو، حسب علمه. فمهما كان ظني وحديث عقلي وفطرتي أن الله لا يحب ما قيل، فإنني لست على اتصال مباشر به سبحانه، لكي أعلم قوله في هذه الخطبة، ولذلك رأيت أن أدعوه هذا الدعاء المحايد.

بعد انتهاء الخطبة سلمت على الأصدقاء والمعارف. ولأن غيظي كان فائضاً وصدري ضيقاً، فقد عبرت عن رأيي لهم جميعاً. أنا هاديء بطبعي، غير أنني أتكلم وأتكلم حينما أضيق بشيء مثل ذلك، ولا أترك فرصة لا أعبر فيها عن رأيي. كانت شكواي أولاً للأصدقاء العرب، فوجدتهم جميعاً يستغربون من ضيقي بما سمعت. وكلما حاولت شرح ما ضايقني، لم أجد فهماً، ووجدت قبولاً لا يرى غضاضة في أي مما كدت أن أختنق بسببه من فكر. ثم عبر كريم – صديق مصري – عن مساندته لي. ثم رأيت أن أعبر عن ضيقي لعصام، صديق مصري آخر يلقي خطبة الجمعة أحياناً، وكان هو أكثر من حاورته بالتفصيل في أسباب ضيقي، ووقف حولنا بعض الأصدقاء مستمعين.

حاولت أن أوصل وجهة نظري للمستغربين من ضيقي. أعطيتهم مثالاً بالقصة التي ختم الخطيب بها، ويبدو أنه كان يتحدث عن فضل نبي الإسلام، وكيف أن المسلمين مقصرين في الدفاع عنه. والقصة الحكيمة هي قصة تاريخية عن مبشرين مسيحيين ذهبوا بين نفر من المسلمين يحاولون تحويلهم عن الإسلام ودعوتهم للمسيحية. فإذا بالقس المبشر يبدأ في سب نبي الإسلام، فإذا شرع في هذا السب، رأى الجمع كلباً حاضراً يصيبه الهياج ويبدأ في النباح بغضب، ويحاول مهاجمة القس. المهم ظن المبشر أن الكلب إنما يفعل ذلك لرؤية انفعاله في الحديث وحركات يديه مع الحماسة. فلم يبالي المبشر، وواصل حديثه، ثم حينما بدأ في سب نبي الإسلام مرة أخرى، هاج الكلب، ثم اندفع مهاجماً المبشر حتى أرداه قتيلاً! أما قمة الإثارة في القصة فهي أن جمعاً من غير المسلمين الذين حضروا هذه المعجزة أسلموا جميعاً لتوهم! (للأسف لم يقم المصلون بالتكبير حين سمعوا هذه الجزئية، كما كان الخطيب يتمنى دون شك!). كانت هذه القصة هي تتويج الخطبة، ومعها كادت روحي أن تزهق! سألني أصدقائي عما أغضبني من هذه القصة، فهي قصة تاريخية حقيقية. قلت لهم فلتكن معجزة حدثت في غابر العصور إن شئتم. غير أن المعجزات لا يجب أن يأبه لها إلا من حضرها، وسرد المعجزة لا يمت للعقل أو المنطق من قريب أو بعيد. فالحديث يجب أن يكون مبنياً على منطق يمكن الحكم عليه حكماً مجرداً، وأن يقدم حجة يمكن للإنسان النظر فيها واختبارها قياساً على أحكام العقل، والمعجزة لا تفي بهذا الغرض، لذلك فهي لا تصلح كحجة. ثم شرحت لهم أننا في بلد غير مسلم، وهذه الخطبة يأتي إليها أناس يرغبون في فهم الإسلام. وأنا لو لم أكن مسلماً يستمع لمثل هذا الحديث لعافت نفسي هذه التفاهات. قال لي صديقي ولكن أنت تسمعها كمسلم، قلت له بل إنني أضيق بهذا الحديث وأنا أستمع إليه كمسلم عاقل. قال لي صديقي: فما بالك وأنت مسلم تستمع لهذه القصة، فما تشعر حيال هؤلاء الذين أسلموا حين رأوا الكلب يقتل المبشر؟ قلت بصراحة: أقول عليهم حفنة من الأغبياء! فإن رجلاً يقبل ديناً بأكمله، لأنه رأى كلباً يغضب لسب نبي هذا الدين، لهو رجل تافه لا عقل له، تحرك حياته معجزات واهية (ولعل أحفاد هؤلاء هم من وصلوا بهذا الدين إلى ما نراه اليوم!). قال صديقي: ومن قال أن هؤلاء الناس لم يكونوا يبحثون فعلاً في الدين، وكان هذا الحدث بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير؟ قلت هذه تبريرات ومحاولات لتزيين القصة لم ترد على فم الخطيب، والذي يهم هو ما قاله فعلاً، لا ما يمكن أن يكون كامناً خلف ما قاله من معان وملابسات!

قالوا لي حسناً، فماذا في الخطبة غير ذلك قد أثار غيظك لهذه الدرجة؟ قلت أعطيكم مثالاً آخر. لقد تحدث الخطيب ناقداً لبعض الأديان، وهو يقصد المسيحية، كيف أنها تبشر بفكرة الخلاص، وسخر الخطيب كيف أن هتلر مثلا بعد أن قتل آلاف البشر بإمكانه أن يؤمن بالمسيح فيتم خلاصه ودخوله الجنة. أما في الإسلام فالإنسان يجازى على عمله. حسناً الفكرة في ذاتها مقبولة، وإن كنت كرهت أسلوب الخطيب في السخرية من معتقدات الآخرين. لكنني معه على كل حال أن مجرد الإيمان مع سوء العمل لا يمكن أن ينجو بإنسان، مهما آمن من ساء عملهم وظلموا غيرهم بأي إله أو مخلص. اتفقنا. ثم بعد قليل يتحدث الخطيب عن عظمة النبي، فيقول كيف أنه حينما عرض عليه ربه أن يطلب طلباً مؤكد الإجابة، طلب منه النبي الشفاعة في أمته. ويقول الخطيب فيأتي الرسول في الآخرة ويقول لربه دعائي يا رب، فيفي الله بوعده ويخرج بقية من كان من أمة محمد في النار. أما أني إنسان غريب صحيح! فماذا يثقل علي في مثل هذا الحديث؟! قلت: انظروا كيف تكلم الخطيب قبل ذكر هذا المعنى عن فكرة الخلاص وسخر منها، ثم ها هو بعد ذلك بدقائق يبشر بنفس المعنى في دينه مرحباً به ومفتخراً!!! قال صديقي إنما هو يقصد المسلم الحقيقي، أنه سوف يخرج من النار حتى ولو تعذب فيها قليلاً لقاء ذنوبه. قلت له أعلم، ولكن الخطيب وهو يتكلم لم يذكر المسلم الحقيقي أو غير الحقيقي، ولكنه ذكر القصة كحق للمسلمين جميعاً. فحديثه يقول أنه يقصد بالمسلم محمداً، وبالمسيحي جورج. لكن الحق أن هنالك مسلمين – اسماً – سوف يخلدون في النار. والخطيب – إن شاء الدقة وحسن الحديث – يجب أن يوضح هذا المعنى، فالإسلام ليس إرثاً إسمياً ولكنه حالة وموقف إنساني وقلبي. وأكثر ما فجعني في الأمر هو أنه أتبع هذا المعنى بهذا الشكل بعد قاذع نقده لفكرة الخلاص، فأي تناقض!

طالت مني التدوينة، لذلك أرجيء البقية لتدوينة أخرى إن شاء الله.

فإلى اللقاء في الجزء الثاني!

تعليق واحد على "بلاغ إلى محكمة العقل والفطرة: خطبة جمعة تحاول خنقي في أمريكا"

1 Avatar Muslim

Monday, 1 October, 2012 عند 2:47 am

انت شكلك عايز تنتقض وخلاص … لو المعجزة ملهاش فايدة مكنش ربنا أراد أن تكون .. وبعدين وانت اعد فى خطبة الجمعه فكر كيف انها تكون واعظة لنفسك وكيف تستفيد منها متفكرش فى اللى اعد جنبك كيف يستفيد منها .. قال ابن القيم من علامات إعراض الله عن العبد تدخله فيما لا يعنيه .. فا حاول انت تستفيد ملكش دعوة غيرك يستفيد ازاى واتعلم انت وابقا اطلع على الممبر واوعظ

روابط جوجول الدعائية


عن الموقع

مدونة يكتبها مهاجر مصري يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، عن الحياة اليومية في أمريكا، والهجرة، وجوانب أخرى متعددة وصور من هذا البلد القارة.

تابع جديد المدونة على بريدك الالكتروني

أدخل بريدك الالكتروني هنا ثم قم بتفعيل الرابط الذي سيصلك في رسالة

Delivered by FeedBurner

فيديوهات صورتها في أمريكا