الحياة في أمريكا

03 Jun, 2008

ما بعد الخطبة

الكاتب: محمد شدو | التصنيف: الدين في أمريكا , تأملات ومشاهدات

في تدوينة سابقة تحدثت عن خطبة الجمعة التى حاولت خنقي ووعدت بالبقية في جزء ثان. وقد شاء الله أن يمن علينا بمواصلة القصة اليوم.

توقفت في المرة السابقة عند محاولة شرحي لأصدقائي المسلمين والعرب أسباب ضيقي الشديد بالخطبة التي ألقاها أستاذ مصري في جامعة كورنل (ودهشة أكثرهم لكراهتي ما سمعت). وكنت أود بداية مواصلة الحديث النقدي عن هذه الخطبة وعن أشياء أخرى ذات صلة بها تخص جماعة المسلمين في موقعي الجغرافي الحالي، غير أنني رأيت أن أقف بالنقد المفصل عند ما سبق ذكره، حتى لا يكون قذعاً في أشخاص بعينهم، وهو ما لا أريده. والأمر يتلخص في كون ثلة من المسلمين يتحركون في الأرض محملين بفكر “الجاهلية الدينية” أو “الجاهلية الإسلامية” كما خطر لي أن أسميها. وهي جاهلية فكرية في كثير من الأحيان، وأخلاقية في غير قليل منها أيضاً! فإلى جانب ضحالة ما يذيعه المتكلمون في الإسلام بل ومخالفته لحقيقة هذا الدين، فإن نفراً منهم يتعاملون مع أمور الخطابة وشئون المساجد في أرض المهجر بمنظور شخصي مظهري مصلحي. وقد رأيت ذلك وسمعت عنه في الولايات المختلفة التي أقمت فيها خلال سنواتي الست في الولايات المتحدة. أحب فقط أن أهمس بهذا الكلام في آذان من يظنون أننا شعب الله المختار، وأن بلاءنا إنما هو من مؤامرات الأمريكان، وأشباههم من أعوان الشيطان! وهذا التوجه الفكري الخرافي، إن كنت لا تعلم، ما زال شائعاً ورائجاً لدينا. وأود أن يكون لذلك حديث منفصل بإذن الله، لكنني سألخصه وأختمه فقط بحقيقة علمية مؤكدة: أن المرض حين يهاجم جسماً من الأجسام، فلك أولاً أن تصب اللوم على مناعة الجسم، وليس على المرض ذاته. فهذه وظيفة المرض التي خلقه الله لها: البحث عن الضحايا، المؤهلين للعب دور الضحية!

أما الخطبة التي أدت بنا لهذه الأحاديث، فأحب أن أذكر جانباً مما حدث بعدها. فقد أنهيت حديثي مع أصدقائي ثم نظرت إلى “الدكة الخشبية” باحثاً عن ذاك الشاب الجالس عليها، فوجدته قد ذهب (اقرأ الجزء الأول حتى يتضح لك ما أعنيه)، فأدركت أن حديثي طال وأنساني شأن قراري الذي اتخذته أثناء الصلاة. ثم نظرت باحثاً عن صاحبي في الرحلة إلى المسجد والعودة منها، صديقي العزيز أحمد علي، فوجدته يتحدث مع أحب الخطباء إلى قلبي، وكان أحمد يريده أن يتحدث مع زوجته الأمريكية عن الإسلام، لعجزه عن التوصيل الجيد لغير المسلمين.

انضممت إليهم، وكان معهم رجل أمريكي كنت قد رأيته جالساً بين صفوف المصلين، فظننت بداية أنه أمريكي مسلم. هٌييء لي أنهم يتحدثون عن الخطبة، فتدخلت معبراً عن سخطي وضيقي بما سمعت (من جديد! يا لي من ثرثار لا يمل من التكرار!). سألني الرجل الأمريكي مندهشاً ومبتهجاً: “أتقول ذلك وأنت مسلم؟” فأكدت أن نعم، وأن هذا الهراء (أخشى أنك إن وضعت خاءً مكان الهاء فلن أعترض كثيراً!) لا يمت للإسلام – كما أعرفه – من بعيد أو من قريب. ثم عرفت منه أنه مسيحي ينظر في الأديان، وأنه حالياً بصدد دراسة الإسلام.
___________________

فاصل خيالي:
تصادف أن حضر هذا الموقف أحد المسلمين الذين يضربون في الأرض حاملين فكراً إسلامياً يمشي على رأسه – الأولويات في الأرض والأقدام ترفرف في السماء! – فأدرك المسلم الشجاع لفوره أن هذا الرجل الأمريكي جلس بين المصلين وهو غير مسلم، يعني غير طاهر، وأنه بذلك خالف قاعدة شرعية مهمة. فرأى أن يحق الحق وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فتوجه بحديثه لإدوين Edwin قائلاً:
– عندي فقط ملحوظة، وهو أنك أخطات بالجلوس بين المصلين. هل ترى هذه الدكة الخشبية؟ يمكنك الجلوس عليها إذا أردت الاستماع إلى الخطبة، لكن لا يحق لك الجلوس بين المصلين ما لم تكن مسلماً.
– حقاً؟ لم أكن أعلم ذلك. أنا آسف. لكن ما الحكمة من ذلك؟ (لا يوجد مقابل لهذا المفهوم في ثقافة الرجل).
– الحكمة في ذلك… الحقيقة… أنك غير نظيف you are not pure، لذلك لا يحق لك الجلوس بين المصلين. (لاحظ أن مفهوم الطهارة والنجاسة كما نعرفه غريب على هذا الأجنبي، لذلك فإنني أحاول ترجمة “وقع الكلمة” لا حرفيتها).
– ؟؟؟!!! عفواً، لا أفهم ما تعنيه.
– (يحاول المسلم أن يجد لفظاً آخر) Because you are not clean.
– (الرجل بدأ يشعر بالإهانة) ما زلت لا أفهم.
– (يفكر في نفسه: سوف أقول الحق حتى لو أحرجته، فلا يجب أن أخشى في الحق لومة لائم) الحقيقة أن غير المسلم “غير نظيف” حتى يسلم، والمسجد هو بيت الله ولا يصح أن يدخله غير المسلم حتى ينظف نفسه.
– حقاً، هذه معلومة جديدة لم أكن أعرفها! (بعد سماعه للخطبة ثم هذه الإفادة أن الإسلام يعتبر غير المسلمين أنجاساً قذرين، يقرر إدوين أن يوفر جهد النظر في هذا الدين الغريب، على الأقل الآن، ويبحث في أفكار أخرى وأديان لها قيمة!).
انتهي الفاصل الخيالي!
___________________

بعد أن علم إدوين أنني مسلم ومع ذلك كاره لما سمعت، قرر أن يعبر عن نفسه بحرية، فقال أنه وهو يستمع كان يحدث نفسه أن هذا الكلام “غير طبيعي” this is not normal. قررت أنني سوف أحدث بذلك أصدقائي المستغربين من كراهتي للخطبة، لأدلل لهم كيف أن أي إنسان عاقل ومحايد لن يختلف رد فعله. ثم تواصل الحديث بيننا جميعاً عن المسلمين وأحوالهم. وأعطاني إدوين بريده الالكتروني بعد أن علم أنني تركت دين آبائي ما يقرب من عامين كاملين حتى عدت إليه على بينة. فسعدت لهذه الصداقة الجديدة. وحدثت نفسي أن هذا الحديث والتعارف على إدوين المسيحي الأمريكي وعمر الباكستاني المسلم هو أفضل ثمار هذه الخطبة عديمة الثمر، عقيمة التربة، والتي لا تأتي بخير هي وأمثالها، أينما حلوا.

بدون تعليقات على "ما بعد الخطبة"

التعليقات مغلقة.

روابط جوجول الدعائية


عن الموقع

مدونة يكتبها مهاجر مصري يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، عن الحياة اليومية في أمريكا، والهجرة، وجوانب أخرى متعددة وصور من هذا البلد القارة.

تابع جديد المدونة على بريدك الالكتروني

أدخل بريدك الالكتروني هنا ثم قم بتفعيل الرابط الذي سيصلك في رسالة

Delivered by FeedBurner

فيديوهات صورتها في أمريكا