الحياة في أمريكا

17 Jun, 2015

النظريات والإنجازات العلميه لا تنشأ في الفراغ

الكاتب: الحياة في أمريكا | التصنيف: مظاهر وأسباب التقدم

نتكلم كثيراً عن مظاهر التقدم في أمريكا وكيف تؤدي لتحسين نوعية الحياة هنا بالمقارنة بالبلدان الأقل تقدماً. في هذا المقال يكتب لنا د. مجدي العبادي – من جامعة جورجيا بالولايات المتحدة – عن أحد أهم أسباب التقدم ألا وهو العلم والبحث العلمي، ويبين لنا أن التقدم المبني على العلم لا يمكن أن يكون دون منهج علمي صارم وجاد، لا مجال فيه للادعاء أو السطحية أو التساهل.

“العلم لا ينشأ في الفراغ”، سمعت هذه العبارة مرارا وتأملتها طويلا. وكلما سمعت أو قرأت عن إنجازات علمية وهمية، تستدعي ذاكرتي تلك العبارة. بين الحين والآخر نسمع ونقرأ عن تلميذ في مدرسة ما قد حطم نظرية النسبيه، وعن مخترع لدواء أو جهاز علاجي ما، ومخترع لسيارة أو طيارة بدون طيار، وملكة للكيمياء ومخترع صغير هنا وهناك. وهذا يحول الفيروسات الي بروتينات، وذلك اكتشف بكتريا تأكل بكتريا أخري. وفي الصحف المطبوعة أو الإلكترونية، هذا يتكلم عن استحداث جينات قتلت بحثا وكأنه إكتشاف، مدللا علي قلة إطلاعه في مجاله، وذاك يتفاخر بتحديد المحتوي الجيني الكامل (الجينوم) لحيوان ما ولا أثر لما يتفاخر به في الدوريات العلمية.

كم هائل من المزاعم العلمية، وميل دائم لتهويل أبسط الأمور وكأنها إنجازات العصر، وترهيب من مخاطر أمراض عضال بدون أسانيد علمية. ولأن هذا الكلام به الكثير جدا من المبالغة وعدم الدقة، رأيت أن أكتب هذا المقال لغير المتخصصين لعلة يساعدهم في وضع الأمور في نصابها الصحيح وفي تكوين رأي مستقل عندما يقرأون أو يسمعون مثل هذه المزاعم وفي إخراج مصر من دوامة التهويل التي تكاد أن تغرقها. هدفي هو مساعدة غير المتخصصين حتي يمكنهم أن يسألوا الأسألة الفاصلة بين العلم والإنجاز الحقيقيين من جهة والمزاعم من جهة أخري.

لا أقصد تثبيط همم الحالمين بوضع نظريات علمية أو إكتشافات أو إختراعات، إنما أريد توجيههم للطريق الجاد وليس الهزلي. هو طريق صعب لا شك في ذلك، لكن لا مفر لهم عن السير فيه لتحقيق أحلامهم.

أولا: النظريات العلمية المثبته لا تُحطم ولكنها تتطور

النظريه العلميه هي أفضل تفسير ممكن لظاهرة طبيعية في ضوء المعلومات المتاحة وما توصل اليه العلم، وهي تبني علي مجموعة من الفرضيات التي تم إثباتها بتجارب عملية قوية وتقدم تجارب يمكن من خلالها التأكد من صحتها ومدي دقتها أو العكس. النظرية الناجحة تقدم تفسيرا منطقيا للظواهر المتعلقه بها وتشرح تطبيقاتها. إذا وفرت النظريه كل هذه الأمور، فإنها تخضع للتحكيم العلمي المستقل من قبل المتخصصين ثم تعرض علي المجتمع العلمي عموما للنقد والإختبار والتمحيص. إذا إجتازت التحكيم ولقيت قبول المجتمع العلمي، فإنها نظرية صحيحة ولا يمكن تحطيمها كما يقولون.

بعض النظريات العلمية يقف عند مستوى معين ولا يتغير، وبعضها يتطور. تنشأ نظريات جديدة كإمتداد لنظريات قديمة وتقدم تفسيرا أكثر دقه وأوسع نطاقا للظواهر المتعلقه بالنظريات القديمة. إلا أن هذا لا يعني خطأ النظريه القديمه، إنما يعني أن النظريه الجديده أضافت للنظريه القديمه لأن معطيات العلم صارت أوسع نطاقا مما كانت عليه عندما تمت صياغة النظريه القديمة. في بعض الحالات لاتستوفي النظرية كل الشروط السابقة وتبقي معلقة في إنتظار تجارب معينة أو إثباتات جديدة، ولكنها تعامل “كنظرية” لحين إشعار آخر. هذا النوع من النظريات هو ما يمكن أن يثبت خطأه لأنه لم يكن كامل الإثبات من البداية!

فلنتأمل التالي:

قانون الجاذبيه بين نيوتن وآينشتين: في القرن السادس عشر، إفترض نيوتن في نظريته عن الجاذبيه الكونيه أن الجاذبيه هي قوة التجاذب بين الكتل. إستطاع العلماء باستخدام نظرية نيوتن اكتشاف حركة الكواكب، إكتشاف نيبتون، إكتشاف العلاقه الأساسيه بين كتلة النجوم ودرجة حرارتها! في القرن التاسع عشر، قدم آينشتين نظرية النسبيه العامه، والتي أساسها هو أن الجاذبيه نتاج إنحناء الزمن ـ المكان تحت تأثير الكتلة. علي الرغم من أن تفسير آينشتين يختلف جذريا عن تفسير نيوتن للجاذبيه، إلا إن المعادلات الرياضيه أثبتت أن نظريه نيوتين هي حل تقريبي لنظريه آينشتين. كل شيئ قدمه نيوتين عن الجاذبيه، قدم آينشتين نفس الشيئ لكن بمعادلات أكثر دقه.أضافت النسبية العامة شروحا وتفاسيرا لظواهر لم تتعرض لها نظريه الجاذبية الكونية. علي سبيل المثال، قدمت شروحا دقيقة للإنفجار العظيم والثقوب السوداء وتمدد الوقت. هل يعني هذا أن آينشتين نسف نظريه الجاذبيه الكونية لنيوتن؟ بالطبع لا! إنما يعني أن آينشتين قدم شرحا مختلفا وأكثر دقه للجاذبيه، لكنها مبنيه على عمليات حسابيه معقدة. في حالات كثيرة مازال العلماء يستخدمون قانون الجاذبيه لنيوتن لبساطته وعندما لا تكون هناك ضرورة للدقه المطلقه. يستخدم العلماء معادلات نيوتن لحساب حركة الأقمار الصناعيه، لأنها دقيقه بدرجه كافيه. ولو أرادو حاسابات أكثر دقه، فبإمكانهم إستخدام قوانين النسبيه العامه.

شجرة الحياة: في منتصف القرن الثامن عشر وضع العالم الفرنسي كارلوس لينيوس أول تصنيف للكائنات الحية، علي أساس فكرة التشابه بين الأجناس، التي كان يعتبرها كارلوس وحدات قائمة بذاتها ولم تتعرض لطفرات أو تحولات. في القرن التاسع عشر جاء شارلز داروين بنظرية التطور، والتي بمقتضاها يرى أن تنوعات الحياة نشأت من أصل مشترك وتطورت في أنماط متفرعة، تماما كالشجرة. هذه الفكرة لاتنسف ما وضعة لينيوس، وإنما تضيف اليها فكرة مركزية لم يراها لينيوس في وقته، وهي التطور. بِناءً علي نظرية التطور، فإن شجرة الحياة يخرج منها فرعان رئيسيان يتفرع كلاهما الى أفرع متعددة وهكذا. الفرعان يمثلان النمطين الأساسيين للحياة وهما “البكتريا” و”حقيقات النواة”. ظل هذا الشكل لشجرة الحياة قائما حتى سبعينيات القرن الماضي، عندما نشر العالم الأمريكي كارل وويس Carl Woese بحثة الذي قرر فيه أن شجرة الحياة بها ثلاثة فروع أساسيه تمثل ثلاثة أنماط وليس إثنين كما هو مبين أعلاه. الأنماط الثلاثه هم: “البكتريا” و”الأركيا” و”حقيقات النواة”. كارل لم ينسف ما سبقه وإنما أضاف اليه، وداروين لم ينسف ما قاله لينيوس وإنما طورة. مات كارل وهو يدرك أن أفكارا عملاقة تتشكل بفعل علم الجينومات، توشك على تغيير شجرة الحياة التي طورها بشكل جذري.

ثانيا: نشر الأبحاث العلمية يدفع نحو علما حقيقيا

عندما تتحدث الصحف عن إنجاز علمي أو بحث ما، يتسائل المتخصصون هل نشرت هذه الإنجازات أو الأبحاث في الدوريات العلمية؟ إذا كانت الإجابة بلا، فإنهم يتعاملون مع تلك النتائج على أنها وجهة نظر وليست حقائق علمية! وإن كانت الإجابة بنعم، يكون السؤال التالي: ماهي تلك الدوريات وما هي قيمتها في المجتمع العلمي العالمي؟ إن كانت الدوريات مغمورة ومشكوك في قيمتها، فإن النتائج تكون محل شك. أما إن كانت الدوريات من المشهود لها بالدقة في المراجعة والتحكيم، فإن النتائج يمكن مناقشتها علي أنها علما حقيقا. السبب في ذلك هو أن عملية النشر العلمي المتبعة في الدوريات العلمية المرموقة تمر بمراحل من التمحيص والتدقيق تضمن الى حد كبير جدا جودة المادة العلمية المنشورة (أحيانا تنشر أبحاثا سيئة ولكنها سرعان ما تنهار). نشر الأبحاث العلمية يختلف كثيرا عن نشر المقالات أو التحقيقات الصحفية أو الكتب.

تبدأ عملية النشر العلمي بكتابة الأبحاث طبقا لقواعد علمية متعارف عليها، تشمل عرض النتائج والتحاليل والإستنتاجات والمراجع التي تم الإعتماد عليها. هذه هي أشق مراحل النشر العلمي. بعد كتابة الأبحاث، يقوم الباحثون بإلتماس آراء وتقيمات زملائهم فيما يسمى بالمراجعة الداخلية، وهي غير ملزمة، رغم أنها مفيدة.

تخضع الأبحاث للتحكيم والمراجعة الشاملة والمهنية بواسطة النظراء العلميين “Thorough and Professional Peer Review”، وهي عملية سرية وفاصلة. تقدم الأبحاث الى الدوريات العلمية المناسبه وإذا قرر رئيس تحرير الدورية أن مجال البحث يقع في نطاق إهتمامات الدورية، فإنه يرسل البحث الي ثلاثه على الأقل من المتخصصين. لاحظ أن مقدمي البحث لا يعلمون شخصيات هؤلاء الذين يحكمون أباحاثهم، وغالبا ما يكونو من المنافسين. تخيل أن بحثك يحكمه منافسك. لا شك أن المنافس سيبذل قصارى جهده لإكتشاف أخطائك! وهذا في ذاته يضمن دقة المراجعة والتقييم. من القواعد المهمة في عملية التحكييم أنه لايسمح لأي شخص تكون له مصلحة في نشر البحث بأن يكون ضمن المحكمين، ولذلك يستبعد من قائمة المحكمين المحتملين كل من عمل أو تعاون مع مؤلفي البحث في السنوات الخمس السابقة لتقديم البحث للنشر. من المهم أيضا أن نذكر أن المحكمين لايتقاضون مقابلا لهذا العمل، بل يعتبرونه واجبهم الذي من خلالة يساهمون في التأكد من جودة الأبحاث المنشورة. ببساطة لايكون للمحكمين أي مصلحة شخصية، ومصلحتهم الوحيدة هي المحافظة علي جودة المنتج العلمي لدفع العلم للأمام علي أسس سليمة. يقدم المحكمون تقاريرا تشمل تقيمات من نواحي متعدده ونقدا للنتائج والإستنتاجات وتوصيات بالنشر من عدمه. يقرأ رئيس التحرير التقارير الثلاثة ويقرر ما إذا كان البحث صالحاً للنشر أو أنه بحاجة الى تعديلات بسيطة أو جذريه أو لا يصلح للنشرعلى الإطلاق. في بعض الأحيان تحتاج هيئة التحرير الى آراء أكثر، فيرسلوا البحث الى محكم رابع أو خامس. يبلغ رئيس التحرير قراره لأصحاب البحث.

تنشر الأبحاث العلمية في دوريات علمية متخصصة، ولكن ليست كل الدوريات سواء. تحدد قيمة الدورية العلمية بعامل التأثير “Impact Factor”، وهو نتاج معادلة تأخذ في الإعتبار عدد الأبحاث المنشورة في العام وعدد المرات التي إستخدمت فيها هذه الأبحاث كمراجع في أبحاث آخري. بمعني آخر هذا العامل يقيس مدي إعتماد المجتمع العلمي على الأبحاث المنشورة في دورية ما. وكلما زادت قيمة عامل التآثير كلما علت قيمة ومرتبة الدورية العلمية. وطبعا الأبحاث التي يستشهد بها أكثر كمرجعية، هي الأكثر تأثيرا وربما أعلى قيمة. توجد مصادر عديدة علي الإنترنت يمكنك من خلالها التعرف علي عامل التأثير للدوريات العلمية.

تستغرق عملية النشر 3 أشهرعلى الأقل وقد تصل الى عام أو أكثر. معدل رفض نشر الأبحاث يتفاوت من دورية الى أخرى، بل ترتفع قيمة الدورية كلما زاد معدل رفضها للأبحاث المقدمة إليها. مثلا، دورية الطبيعة الأروبية تنشر فقط 8% من 200 بحث يقدموا لها كل أسبوع.

الأبحاث العلمية لا تنشر عن طريق الترتيب بين الباحث وهيئة التحرير، ولايجوز أن يكون لهيئة التحرير أي مصالح مع الباحث ولا يجوز أن ينشر أحد في دورية هو ضمن هيئة تحريرها! المجاملات والمصالح لا وجود لها في النشر العلمي المرموق، وإن وجدت فإنها تعصف بقيمة الدورية وما ينشر بها. لنشر بحثا واحدا في دورية مرموقة لها سمعة دولية في التدقيق والتمحيص خير من نشر عشرات الأبحاث عن طريق الترتيب والمصالح المشتركة. الأول يمثل بحثا حقيقيا يدفع العلم للأمام والثاني يمثل شيئا مختلفا تماما، ربما يعوق تقدم العلم.

ثالثا: لاتوجد مؤامرة، الإبداع والأصالة هما الفيصل:

سمعت وقرأت كثيرا عن أن الدوريات العلمية العالمية تتعمد رفض الأبحاث القادمة من مصر. يتبنى أصحاب هذا الطرح تفسيرا مؤمراتيا، ويستخدمون هذه الفكرة لتعليل عدم نشرهم في الدوريات العالمية، ومن ثم يروجون لنتائجهم البحثية في الصحف أحيانا وكأنها أصبحت علما معترف به! يقولون أنهم يجدون في الدورية التي يطمحون للنشر بها أبحاثا تشابهها أبحاثهم في كثير من المناحي، لذلك يتعجبون لماذا لا تنشر الدورية أبحاثهم أيضا، ويذهبون الي القول بأن هيئة التحرير في هذه الدورية تتعمد الرفض. لاوجود لتلك المؤامرة المزعومة والتفسير هو أن الدوريات العلمية المرموقه لا تنشر أبحاثا متشابهة أكثر من مرة أو مرتين علي أحسن تقدير، لأنها تبحث دائما عن الجديد وعن الإبداع. ولأن هذه الدوريات يقدم لها مئات الأبحاث العلمية أسبوعيا، فلديها دائما أبحاثا تقدم أفكارا جديدة والمنافسة بينها عالية. سترفض هيئة التحرير أي بحث نشرت فكرته في الدورية من قبل مهما كان مصدرة. وهذا في ذاته أحد طرق دفع العلم للأمام، لأنه يدفع الى البحث المستمر والدؤوب عن الأفكار الجديدة والمبدعة. إذا البحث العلمي المبني على التقليد أو إعادة تدوير الأفكار العلمية ليس له مكان للنشر في المجلات العلمية المرموقة. هذا هو السبب، وليست المؤامرة.

في هذا الصدد، نشرت مجلة العلوم الأمريكيه المرموقة تقريرا عن التوزيع الجغرافي للسرقه الأدبية “Plagiarism” في الأبحاث العلمية. التقرير مبني علي تحليل 757000 بحثا قدمت للحفظ في أرشيف تابع لجامعة كورنيل (يسمي arXiv وينطق archive) والتحليل منشور في دورية “وقائع الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم Proceedings of National Science Academy “. الأبحاث تقدم لهذا المستودع قبل او بعد نشرها في الدوريات العلمية، أي أن تقييم الأبحاث أو الدوريات المنشورة بها لا يقع في دائرة إهتمام القائمين علي هذه الخدمة. هم فقط يحفظون الأبحاث المقدمة لهم في مكان يجعلها متاحة عبر الإنترنت لمن أرادها. كان عدد الأبحاث المقدمة من مؤلفين مصريين هو 185 من 757000 بحث (حوالي 0.024%)، من ال 185 بحثا يوجد 35 بحثا بهم سرقات أدبية واضحة وكبيرة بحيث لم يمكن التغاضي عنها، أي بنسة 20% تقريبا. إحتلت الأبحاث المصرية بهذه النسبة الكبيرة المركز الثاني في السرقات الأدبية بعد بلغاريا.

رابعا: إختبار الزمن هو أقوي إختبار

لا ينتهي الأمر بمجرد نشر الأبحاث في الدوريات العلمية، ومجرد النشر ليس مسوغا كافيا للإسراع في تبني تلك النتائج أو تطبيقها. بعد النشر تصبح تلك الأبحاث متاحة للمجتمع العلمي ككل، فتكون محل إختبارات أشمل من قبل قطاع أوسع من المتخصصين. وقد يصل الأمر في بعض الأحوال الى محاولة إعادة إنتاج النتائج المنشورة للتأكد من صحتها ودقتها، فإن كان الحصول على نفس النتائج غيرممكن، فإن ذلك يزرع شكوكا حول البحث قد تؤدي الي هدمة.

في عامي 2004 و 2005 نشر العالم الكوري الجنوبي “Hwang Woo-suk” بحثين في مجلة العلوم الأمريكية المرموقة. زعم هذا العالم أنه طور طريقة مكنته من إستنساخ خلايا جنينية من الخلايا الجزعية (هذا أمل وهدف يسعي إليه معظم الباحثين في مجال الخلايا الجزعيه). إنجاز كهذا يؤهل لجائزة نوبل لما له من تطبيقات في مجال الطب وصناعة الدواء. هرع المتخصصون الى مختبراتهم للتأكد من صحة الطريقة التي نشرها هوانج، ولكن أحدا لم يستطع الحصول على النتائج التي حصل عليها العالم الكوري. وكانت المفاجئة عندما أعلن أحد زملائه أن هوانج فبرك جزأ من النتائج التي نشرها في مجلة العلوم. كانت هذه الواقعة بمثابة إنتكاسة في الأوساط العلمية مما دعي جامعة سول الكورية المرموقة الى فصل هذا العالم نهائيا في 2006. في قصة مشابهة، نشر علماء من اليابان بقيادة العالم Haruko Obokata دراسة في مجلة الطبيعة المرموقة إدعوا فيها أنهم طوروا طريقة لتخليق الخلايا الجزعية. إكتشف العلماء خطأ النتائج المنشورة في هذا البحث عندما حاولوا إعادة إنتاجها، وكان ذلك بمثابة إنتكاسة علمية لأحد أهم مراكز الأبحاث في العالم وهو مركز ريكن الياباني. على الرغم من أن بعض المتخصصين أكدو علي أن الخطأ لم يكن مقصودا، إلا أن ذلك لم يمنع مدير المركز Yoshiki Sasai من أن ينهي حياته بطريقة مأساوية منتحرا في مكتبه لأن إسمه كان ضمن مؤلفي البحث.

لعلك الآن تدرك أن الإنجازات العلمية لا تنشأ من فراغ ولا تتطور في الفراغ، وأن الإنجاز العلمي الحقيقي يبني علي كل ما تم إنجازه منذ أن بدأ الإنسان في التفكير فيما حوله، وأن الأبحاث العلمية ذات القيمة هي تلك المنشورة فى الدوريات العلمية المشهود لها بالدقة. عندما يعرض عليك أمر علمي ما، إسأل عن الحقائق وما يدعمها! الطالب الذي يطمح لتحقيق إنجازات علمية، إعلم أن الإنجاز العلمي الحقيقي لا يصنعة إلا من وهبوا عمرهم كله للعلم. هل سمعت بعضا من الكلمات التي يلقيها الفائزون بجوائز نوبل كل عام؟ كلهم بلا إستثناء يقررون أنهم واقفون علي أكتاف عمالقة سبقوهم في مجالاتهم، أي أن من سبقوهم هم من رفعوهم علي أكتافهم الي هذه المكانة. فقبل أن تفكر في إحراز إنجاز ما، إدرس جيدا إنجازات من سبقوك في مجالك. العجلة هي أخطر أعداء العلم، فلا تتعجل!

وأخيرا دعني أقتبس لك جزأ مما كتبه البيولوجي الإنجليزي الشهير، Thomas Huxley: “إجلس أمام الحقيقة كطفل صغير، وكن علي إستعداد للتخلي عن كل فكرة مسبقة تتنافي مع الحقائق، وإلا لن تتعلم شيئا”

Magdy Alabady, PhD

Genomics and Computational Biology

Research Scientist

University of Georgia, USA

بدون تعليقات على "النظريات والإنجازات العلميه لا تنشأ في الفراغ"

التعليقات مغلقة.

روابط جوجول الدعائية


عن الموقع

مدونة يكتبها مهاجر مصري يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، عن الحياة اليومية في أمريكا، والهجرة، وجوانب أخرى متعددة وصور من هذا البلد القارة.

تابع جديد المدونة على بريدك الالكتروني

أدخل بريدك الالكتروني هنا ثم قم بتفعيل الرابط الذي سيصلك في رسالة

Delivered by FeedBurner

فيديوهات صورتها في أمريكا