أواصل اليوم عرض صور قريبة للآخر، وقد بدأت بعرض بروفايل لصديق أمريكي شاب، والآن أقدم بروفايل جديد لصديقة أمريكية شابة في الخامسة والعشرين من عمرها. وسوف أستهل البروفايل بقصة تعرفي على ميكيلا، فمنذ أكثر من عام طرأت لي فكرة تعليق إعلانات في المدينة الصغيرة التي أعيش فيها لتدريس الفرنسية أو العربية، وقد رأت ميكيلا هذا الاعلان وأرسلت لي رسالة الكترونية بالفرنسية تقول فيها أنها أمريكية عاشت عاماً في فرنسا حيث درست الفرنسية وأنها تريد تعلم اللغة العربية ولكن باستخدام الفرنسية، يعني تتعلم لغة جديدة تماما وفي ذات الوقت تمارس فرنسيتها حتى لا تنساها. ورحبت بالأمر فعلا وفي خلال أول لقائين مع ميكيلا كان حديثنا يدور بالفرنسية فقط، ثم تطورت الصداقة أبعد من دروس اللغة التي توقفت أيضاً بعد فترة يسيرة. وكان من أهم أسباب تطور الصداقة قرائتي لمقالين كتبتهما ميكيلا بعد سفرها إلى السنغال والدومينيك، الأول عن الفقر في جمهورية الدومينيك، والثاتي عن الفقر ومشكلة الديون في السنغال. وقد شدني في المقالين فكرها الإنساني ورفضها للهوة الظالمة التي تفصل بين مجتمعها الغني وتلك المجتمعات الأفقر.
درست ميكيلا علم النفس في جامعة كورنيل الشهيرة. بعد إنهاء دراستها قضت عاماً في فرنسا لدراسة الفرنسية والعمل. وهي الآن تعمل في برنامج للأطفال المعرضين لأخطار اجتماعية حيث تنظم نشاطات مختلفة لهم مثل المعسكرات وغيرها مما ينمي الوعي لديهم. وهي تفكر في تغيير مجالها بعد ذلك، فقد ظنت في البداية أن علم النفس هو ما تريد عمله، غير أنها الان تود دراسة التخطيط الحضري لتساهم في تخطيط مدن صديقة للبيئة وقادرة على توفير الصحة والجمال للإنسان.
ميكيلا مهتمة بالبيئة، وهي تقود سيارة تعمل بالزيت النباتي، وهو ما يسمي بالبيوديزل، وقد اشترت سيارة تعمل بالديزل حتى يمكن تحويلها إلى استخدام هذا النوع من الطاقة النظيفة جدا. ومن ميزات هذه الطاقة أن الزيت يتأتى من استخدام زيت القلي من المطاعم وتنظيفه ثم استخدامه كوقود للسيارة، مما يحافظ على البيئة مرتان، الأولى عدم التخلص من الزيت المستخدم كنفايات تثقل على البيئة، والثانية بالطبع تتمثل في عدم صدور عوادم ملوثة من السيارة. وهي لا تهتم وحدها بهذه القضية، فأقرب صديقاتها إليها، ميجان، تعمل في مجال الطاقة البديلة، وهي و”شلة” أصدقائها يعملون معا في مشروع تحويل الزيوت المستخدمة لوقود لاستعمالهم الشخصي في سياراتهم وبيع ما تبقى إذا استطاعوا.
قد يظن الكثير من الشباب العربي أن الاباحية الجنسية طابع لصيق بجميع أهل الغرب، ولا شك أن ذلك موجود في بلادهم، ولكنه ليس مطلقاً، وهناك عائلات كثيرة متدينة تلتزم بنفس تقاليدنا في الشرق، وميكيلا وإن لم تكن تنتمي إلى عائلة متدينة إلا أنها ترى في الإباحية الجنسية تعبيراً عن الفشل والعجز الروحي للناس.
ميكيلا وأصدقاءها جميعا يكرهون الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش “كره العمى” وهي ترى أنه إرهابي. وبعد انتخابه للفترة الثانية أصيبوا جميعا بالصدمة. قابلتهم بعد الانتخابات مباشرة. ميجان قالت أنها ظلت تبكي طوال اليوم من الحسرة، ميكيلا ظلت تواسي الكثير من أصدقائها في اتصالات تلفونية لغلبة الإحباط الشديد على مشاعرهم بعد فوز بوش. ربما يعتقد القاريء أن فيما أقول مبالغة، ولكنه الحقيقة، فهكذا كان رد فعل من يكرهون بوش من الأمريكيين، وكأنهم في جنازة تبكي فيها الفتيات ويتجمع الأصدقاء على مواساة بعضهم البعض.
ميكيلا تؤمن بالله إيمانا عميقاً غير أنها لا تعتبر نفسها كاثوليكية، ديانة أهلها، وهي لا تؤمن بدين منظم لما ترى في الدين من حيد عن روحانيته. غير أنها منفتحة للحوار عن أي دين ولا ترفض الدين رفضاً مبدأياً. وقد أهديتها ترجمة للقران وسعدت بها ووعدت بقرائتها حينما تستطيع.
ما زالت ميكيلا تعمل على تسديد قرض دراستها الجامعية، ولذلك فهي لا تهدأ ولها نشاطات متعددة بجانب عملها الأساسي، فهي تصمم مواقع على الانترنت ولها نشاطات أخرى لا أعلمها، ولكنني أعلم كيف أنها دائمة النشاط والحركة. وهي تهوى الطبيخ أيضاً، وحين أصطحبتها مرة هي وميجان إلى مطعم للأكلات الشرقية ورأت البقلاوة عرفتها وقالت أنها تعرف كيفية عملها أيضاً! كما أنها نباتية ولا تأكل اللحوم، وتحاول اتباع نظام غذائي صحي يتجنب الطعام الصناعي ويكثر من المزروعات الموسمية والمحلية، على أساس أن الطبيعة تقدم للانسان في كل فصل ما يناسب احتياجات جسمه في هذا الفصل، وهو ما يتغير مع تغير الفصول والمناخ.
هذا ما حضر في ذهني حتى الآن في هذا البروفايل لشابة أمريكية معاصرة.