شاهدت برنامجا على قناة الصحة ديسكفري هيلث Discovery Health عن وباء حدث في عام 1994 وأصاب ربع مليون أمريكي، وبعد حيرة الأطباء مع الحالات القادمة إلى المستشفيات اتضح بعد البحث أن أصل الداء بكتيريا كانت موجودة في نوع معين من “الآيس كريم”!! الواقعة لها دلالات. حين سمعت قول أب عانى ابنه وابنته من المرض أن حياة العائلة جميعاً كانت تتبدد في المعاناة، لفت نظري مفهوم المعاناة التي تأكل حياة الإنسان وتستهلك جل طاقته في دفاع ضد الألم. فكرت أن كثيرا من المعاناة تستهلك الحياة بشكل لا ضروري كان من الممكن تجنبه. حكاية الايس كريم أيضاً كان من الممكن تجنبها بشكل عام لو روعي دقة غسل الالات المستخدمة في صناعته وشحنه. غير أن من أصيب بالمرض لم يكن في إمكانه بأي حال تجنب ذلك، فهو شي لا يمكن توقعه بالمرة. وهو ما جعلني أفكر أنه ليس في الإمكان غير أن نفعل الصواب وأن نفوض الباقي لله. نفعل ما في وسعنا ونقر لله بأننا بذلك لا ندفع عن أنفسنا شراً إلا أن يدفعه هو عنا.
كانت نهاية البرنامج محزنة عندما اتضح ان بعض من أصيبوا بالمرض وبسبب شيء وراثي لديهم سيظلون يعانون طيلة حياتهم من آلام شديدة لا علاج لها. حينما رأيت الفتاة التي كانت تحكي قصتها شعرت أن فيها شيئاً غريباً، فقلت هل أثرت عليها فترة المرض حتى بقيت آثارها حتى الآن؟ واتضح أن هنالك شيء مختلف فعلا في شكلها، ليس بسبب المرض القديم ولكن لابد إذن أنه بسبب التعرض اليومي لمعاناة الألم. في نهاية البرنامج قالت أنه لم يمر يوم واحد، مجرد يوم واحد، دون ألم شديد. هذه نهاية في الصميم، وشارفت على البكاء وهي تقرر ذلك. بكاء الإنسان أمام الألم الذي لا يستطيع دفعه عن نفسه، بكاؤه رثاءاً على ذاته وعلى عجزه في مواجهة معاناة تستهلك حياته وتنفي حريته ولا تبقي لديه متسعاً من الوقت والطاقة لمعرفة مستويات أجمل من الحياة الإنسانية التي أتاحها الله للناس.