22 Jun, 2007
المكتبة والمقهى
الكاتب: محمد شدو | التصنيف: الحياة اليومية في أمريكا , تجارب ناجحة للتعلم والمحاكاة , مظاهر وأسباب التقدم
قد يوحي لك العنوان أنني بصدد المقارنة بين الجلوس في مقهى والذهاب إلى مكتبة، والجلوس في المقاهي كما نعلم قد أصبح، منذ زمن قصير أو بعيد، ليس لي بذلك علم مؤكد، من أكثر ما يلجأ إليه المصريون شيوعاً في مجال قتل الوقت، أو تسلية الفراغ إذا شئت أن تستبعد فكرة “القتل”! ولكني لا أهدف لذلك على وجه الدقة، ولكني أحببت أن أعرض شيئاً من بلد آخر، من فصيلة العالم المتقدم التي-الفصيلة-لا تعترف بنا في هذا الزمن كمنتمين إلى رحابها. وليس لي خبرة إلا بشمال أمريكا من بين بلدان العالم المتقدم. دعني أنوه أولاً أن عرض ما في مواقع أخرى من الأرض لا يهدف للتحنيس أو إثارة الحسرة، ولكن الإنسان السليم يسعى لتعلم الأجمل والأفضل من أي مصدر، ولو كان في الصين! وكلنا يعلم، وبعضنا يتعجب ويقول أن مسؤلينا الكرام يسافرون كل الحين والحين، وقد أنعم الله عليهم بزيارة بلاد العالم المتقدم، ومع ذلك يعودون إلى بلدهم، موضع مسؤليتهم، وكأنهم ما رأوا ولا أدركوا، يعني وكأنهم ممن وصفهم القران بأن لهم عيون لا يرون بها، ولكن التفسير عندي بسيط، ويتلخص في الاتي: فتش عن النية!
المهم، ننتهي من المقدمة الطويلة وننتقل إلى صلب الموضوع القصير! أما المكتبة والمقهى فهو ما تجد عليه مكتبات بيع الكتب في الولايات المتحدة، وهو شكل أتمنى أن يوجد في مصر، عاجلا وليس آجلاً. والأمر ولا شك بحاجة لمستثمرين في الثقافة وفي الناس، ولو كنت من فئة المستثمرين لكان ذلك أحد ما أحب أن أقيم من مشاريع. فأنت في أمريكا تجد بين معظم مكتبات بيع الكتب وبين المكتبات العامة سمة مشتركة، فإن كنت فيها لا تستطيع استعارة الكتب، فإنك مع ذلك تستطيع الذهاب إلى المكتبة وتصفح وقراءة كل ما بدا لك من كتب. وأنت لن تفعل ذلك “في الخباثة” كما أنك لن تضطر إلى قراءة الكتاب واقفاً أو جالساً على الأرض، ولكنك سوف تجد مقاعد وثيرة بين أرفف الكتب مخصصة لذلك، لكي تجلس عليها وتقرأ. فإذا وجدت جميع المقاعد مشغولة، فلا حرج عليك إن ذهبت للمقهى التابع للمكتبة، فتشتري لنفسك كوباً من الشاي أو القهوة، وتجلس وتقرأ في أي عدد من الكتب، لأي عدد من الساعات، ولن يكلمك أو يعتب عليك أو يقوم بإحراجك أحد، فما تفعله شيء طبيعي تماماً، كما أنك لست الوحيد الذي سوف يفعل ذلك. الحرج الوحيد هو أنك لن تستطيع أن تخطو خارج المكتبة أو المقهى الملحق بها حاملاً كتابك دون أن تدفع ثمنه، فإن لم ترغب في الدفع، إقرأ كتابك ثم أعده إلى مستقره أو اتركه، وسوف يعيده أهل المكتبة إلى موضعه. ولا تظن أن أحد أبناء الفهلوة سوف يستطيع أن يخبيء كتاباً في ملابسه ويخرج به، عندها سوف يسمع صراخاً آلياً فاضحاً فور أن يعبر باب المكتبة إلى خارجها.
أما الملحوظة الأخيرة فهي أن أمثال هذه المكتبات، وهي مشاريع خاصة لا خدمات عامة، لا تجدها فقط في العاصمة، أو في القاهرة والأسكندرية فقط! ولكنك تجد منها الآلاف عبر الولايات المتحدة، وفي المدينة متوسطة الحجم حيث أعيش يوجد منها اثنتان على الأقل.
هل وصلت إليك الصورة؟ مكتبة خاصة لبيع الكتب، ولكنها تقدم خدمة مثل المكتبات العامة، وتوفر للرواد فرصة قراءة الكتب الحديثة والقديمة، وتصفح مئات الكتب قبل شراء واحد منها، أو دون شراء أي منها. والمال يأتي من ثمن الكتب وبعض الأدوات المكتبية وكذلك من المقهى التابع للمكتبة، يا ترى فيه مستثمر عاوز يعمل الكلام ده في مصر؟