الحياة في أمريكا

10 Jan, 2010

شتاء شيكاغو

الكاتب: محمد شدو | التصنيف: الحياة اليومية في أمريكا , لقطات أمريكية (صور)

صورة بالمحمول من منطقة وسط البلد في شيكاغو يوم السبت في درجة حرارة حوالي 15 تحت الصفر، وهو جو الشتاء المعتاد هنا!

Comments Off

07 Jan, 2010

الجدار وما خلفه

الكاتب: محمد شدو | التصنيف: الناس في أمريكا , سياسة

صور التقطتها منذ يومين في وسط مدينة شيكاغو، أمام القنصلية المصرية. كانت جماعة قليلة من المتظاهرين ضد ممارسات إسرائيل ضد غزة وضد الجدار المصري الجديد. وكان أغلبهم أمريكيون، أحدهم تقول يافطته أنه يهودي ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. توقفت وتكلمت أولاً مع شاب صغير، قلت له أنا مصري وأنا كذلك معارض للسياسات المصرية. سألني لماذا يفعل مبارك ذلك، فأجبته أن الفساد في مصر وصل إلى مرحلة خطيرة أصبحت تهدد المواطن في طعامه وأساسيات حياته الإنسانية، وأن زعماء الفساد يريدون إبداء الود لإسرائيل ومن ثم أمريكا للحفاظ على عروشهم!

تركتهم ثم مررت بهم مرة أخرى في عودتي من ذات الطريق، فقررت التوقف واستغلال كاميرا المحمول! استأذنتهم في التقاط بعض الصور، فرحبوا بذلك. قلت مرة أخرى بصوت مرتفع أنا مصري، وأن أكثر المصريين معارضون لهذه السياسات. رأيت صورة الرئيس الحاكم فقلت أنني لا أحبه، فقال رجل أمريكي “لا ترفع صوتك هكذا!”، من الواضح أنهم يعلمون تماماً طبيعة الحياة السياسية في العالم المختلف والمتخلف!

أما بخصوص الجدار، فلابد من طرح بعض الأسئلة ومحاولة رؤية الواقع ورصد بعض الحقائق، فالمصريون متعلقون عاطفياً بالقضية الفلسطينية ولا شك، ونحن نعتبرها قضية تكاد أن تكون خاصة بنا، لكن فلسطين ليست ضحية إسرائيل ومبارك هكذا ببساطة، فهؤلاء عرض لمرض أعمق جذوراً وأكثر فتكاً!

لابد من إقرار أن وجود ما يزيد على ألف نفق بين مصر وغزة هو عبث لا يمكن أن تقبله دولة محترمة! فالأنفاق تعني مرور ما لا علم لنا به ولا يمكن بالتالي ضبطه أو الحكم عليه سلباً أو إيجاباً. قد تمرر الأنفاق طعاماً وقد تمرر مخدرات! ولو أردنا مساعدة غزة فإن ذلك لا يكون بأنفاق سرية! بل بتنظيم مساعدات واضحة معروفة. إن الأنفاق جريمة في حق مصر تماماً كما أن منع المساعدات أن تمر إلى غزة جريمة إنسانية في حق إخواننا هناك.

الحقيقة الأخرى في المشكلة الفلسطينية أن الجهاد الفلسطيني أثبت فشله. فالسلطة الفلسطينية لا تختلف عن أي قيادة عربية أخرى، حيث يعمل رجالها لمصالحهم الخاصة. والسلطة الفلسطينية تتلقى مئات الملايين من الدولارات من المساعدات تهيء لرجالها حياة رغدة ثرية! بل إن السيدة أرملة المجاهد الراحل ياسر عرفات قد تكون مليارديرة بما ورثته عن “أعمال” زوجها. أما ما يسمى بالجهاد الإسلامي فحدث عن العبث بلا حرج! قوم لا تعلم أين تعلموا السياسة أو الحرب أو الدين، يرمون ببعض مفرقعات الأطفال المسماة صواريخ هنا وهناك. وقد أصبحت القصة مكررة يستطيع أي طفل أن يتنبأ بها، صواريخ من حماس تثير بعض الضوضاء، يعقبها عقاب جماعي ينزل بالفلسطينيين العزل! والنتيجة واضحة، فالمستفيد من نشاط حماس الجهادي هو إسرائيل وحماس نفسها، وفقط! فحماس تحصل بهذه الممارسات الغبية على شعبية وتظهر بمظهر المجاهد المدافع دون أي نتائج حقيقية. والآن يتم قتل جندي مصري بريء على يد حماس نفسها!

إن أعداءنا نحن الشعوب العربية هم رؤوس الفساد والخيانة وأدواتهم، وليس إسرائيل. والمثل المصري يقول: “المال السايب يعلم السرقة”. فلم نلوم السارق ولا نلوم من أباح المال لكل لص وأفاق؟! وطالما أباحت الفريسة نفسها فسوف يوقعها الصيادون، هذه طبيعة الحياة وقصة البشر على الأرض!

لا تعيش الأمم في تخلف أو تقدم بأعمال الصدفة وهلاميات الظنون وغوامض الأسباب، ومن قوانين الحياة أن “الله لا يضيع أجر من أحسن عملا”. ولازمة التقدم الأولى هي العلم، فلا يوجد مظهر حسن من مظاهر الحياة على الأرض يمكن له أن يكون دون علم. حتى المزارع الذي لا يقرأ ولا يكتب إنما ينمو ثمره بناء على علم أخذه عن رجال زرعوا من قبله وتعلموا أسباب الزراعة. وكلما تعقدت أنواع المنتجات التي نريدها تعقدت علوم إنتاجها. فبناء مدينة حديثة، وهو عمل إنساني يتعامل مع مكونات الطبيعة ليصنع منتجاً لا يمكن أن تنتجه الطبيعة دون تدخل إنساني، يتطلب علوماً أوسع وأكثر تعقيداً مما تتطلبه الزراعة، التي هي عمل أكثر طبيعية وأقل تطلباً لتدخل الإنسان. ومن ثم فقد وصلت الحياة الإنسانية في هذه المرحلة من عمر الأرض إلى واقع تستحيل معه الحياة العصرية دون أنواع من العلم شديدة الاختلاف والتعقيد.

وأنا أنظر في مظاهر تراها بالعين المجردة – في الولايات المتحدة كمثال – فأقول لنفسي نعم، لا تتقدم الأمم بالصدف، ولابد لبلد ترى فيه هذا العدد المهول من الجامعات ألا يكون من الهابطين. هذا عن العدد، أما عن الكيف فكفى أن تعرف أن هناك من الجامعات الأمريكية من تتعدى ميزانية البحث العلمي فيها وحدها ميزانية البحث العلمي في الدول العربية مجتمعة! هذه جامعة واحدة، لو وضعتها في كفة والدول العربية جميعاً في كفة في ميزان يزن ما تقدمانه للعالم وللعلم، لرجحت كفة الواحدة على كفة الكثير! وفي أمريكا أكثر من جامعة يرجح ما تقدمه كل واحدة إسهام بلداننا العربية جميعاً.

ثم انظر أيضاً في الصورة أسفل الصفحة والتى التقطتها خلسة لشاب يقرأ في الباص، هي مشهد شائع معتاد في وسائل المواصلات في الغرب. وأنا ما زلت أنظر في عدد المكتبات وحجم كل مكتبة تجارية، ناهيك عن المكتبات العامة المجانية تماماً، فأقول هذه أمم تنفق بسخاء على الكتاب والقراءة. فلا يمكن أن تبقى هذه المكتبات التجارية دون أن تحقق أرباحاً كافية تكفل استمرار هذا العدد الضخم من المكتبات الرحبة، وكثير منها في مناطق تجارية هامة كما أن كثرة أخرى تنتشر أفقياً لتغطي أكثر الأرض الأمريكية الواسعة، في المدن الصغيرة والكبيرة على السواء. هذه دلالات تراها دون حاجة لأرقام وإحصاءات تؤكد رواج القراءة. ومن أكثر الحقائق دلالة كذلك أن كثيراً من مشاهير الكتاب في الولايات المتحدة هم من الأغنياء والمليونيرات، فالكاتب المعروف يصبح مؤسسة رابحة من ثمرة نشاطه العلمي والفكري.

وقد تحدثت من قبل عن قصة الجراح الأمريكي د. بن كارسون وكيف غيرت عادة القراءة حياته جميعاً من النقيض – القبح والفشل والفقر – إلى نقيض كل ذلك. ولا زلت أذكر حواراً قرأته منذ زمن بعيد مع المفكر والإداري المصري طارق حجي – الذي أتمنى أن يتابعه ويتعرف عليه القراء بشكل أفضل – قال فيه كيف أن والدته كانت تتفنن في تشجيعه على قراءة كبار مفكري العربية وهو بعد في مراهقته. هذه أم مصرية عبقرية – تماماً مثل أم بن كارسون – أدركت قيمة القراءة في بناء الإنسان ومستقبله. فالقراءة والعلم يرفعان الأمم والأفراد كما لا يرفعهما شيء آخر. ولعله من المناسب هنا أن أذكر ما نمل من تكراره في أقوالنا (عقبال الأفعال!) عن كلمة “إقرأ” التي بدأ بها الوحي القرآني! وهي إشارة خطيرة اعتدنا عليها حتى عمينا عن خطورتها!

إن للقراءة مفعول عجيب في تحويل الفرد من الداخل، وهو المحك الحقيقي للتغيير والتطوير. وللعلم مفعول غريب في تحويل الأمم من الداخل أيضاً، وهو “المحرك” الحقيقي لإمساكها بزمام أمرها وتحويله من العبث إلى الثقة، ومن هزل الأوهام إلى جد الواقع.

شاب يستغل وقت انتقاله في الحافلة العامة في قراءة كتاب. وهو مشهد معتاد في وسائل المواصلات العامة.

26 Dec, 2009

صور من حديقة نباتات شيكاغو

الكاتب: محمد شدو | التصنيف: لقطات أمريكية (صور)

بعض الصور التقطتها بكاميرا التليفون المحمول من حديقة نباتات شيكاغو، وهي لا تقع فعلاً في حدود مدينة شيكاغو وإنما في ضاحية صغيرة شمال المدينة. وقد تكاسلت عن زيارتها طوال الصيف الماضي فقررت انتهاز فرصة يوم مشمس في نهايات الخريف لزيارتها. وكانت النباتات والزهور قد ماتت للأسف، لكنها كانت فرصة جيدة للمشي لساعات في طبيعة لا يشوبها مشهد من مشاهد المدينة!

لقد مكث نبي الله يونس في بطن حوت زمناً لا يعلمه إلا الله. واليوم يمكث ملايين البشر في بطن طائر كل يوم لساعات تطول أو تقصر، فيعبر بهم هذا الطائر المصنوع البر والبحر. إنه طائر نظيف الداخل، مكيف الهواء، ليست له معدة ولا أمعاء، غير أنه يشبه الطيور في طيرانه وفي جناحين يحملانه. وقد حملني هذا الطائر حديثاً في رحلة داخلية بالولايات المتحدة من أرض إلى أرض، من ولاية أمريكية إلى أخرى داخل هذا البلد الشاسع. والطيران تجربة – وإن تكررت – لا تبلى غرابتها للإنسان الملتصق بالأرض رغماً عنه، يدب فوقها عمراً حتى يغيب في بطنها جسداً بلا روح! وفي هذه الرحلات أحاول قدر الإمكان أن أحظى بمقعد يجاور نافذة الطائر الصغيرة، وقد أتاح لي ذلك أن أسجل بعض الصور للأرض الأمريكية الخضراء من أعلى. وأتعجب حين أرى مسافرين في بطن الطائر يجلسون إلى جوار النافذة غير مبالين ولا لاصقين أعينهم بزجاجها، لعلهم يستوعبون قبساً من هذه التجربة الأسطورية!

يتأهب هذا الطائر للارتفاع في الهواء بجري سريع على الأرض. هو لا يستطيع ترك الأرض مباشرة، عليه أولاً أن يجد طريقاً واسعاً، خالياً، مفتوحاً يهيء له الإسراع دونما عائق، قبل أن يتحرر من جاذبية الأرض ويبدأ رحلته نحو السماء. أنت في داخله تشعر بسرعته واهتزازاته طالما هو فوق الأرض، فإذا تركها ذهب معها شعورك بالجري والسرعة. لم يسكن الطائر، بل هو الآن أسرع مما كان عليه فوق الأرض، إلا أنه أهدأ وأكثر استقراراً وثباتاً للجالسين في بطنه. وكأن التجربة تحدثك أنك سوف تبلغ هدفك وأنت أسرع وأهدأ.. إن أنت تعاليت فوق طرق الأرض، ووليت وجهك تلقاء السماء!

تتباعد الأرض ويتصاغر ما فوقها. فإن كانت هنالك سحب معلقة بين السماء والأرض فسوف يخترقها الطائر حتى لا يحجبه حاجب عن السماء. هذه السحب البعيدة قد تدهشك سرعة وصول الطائر إليها. إنك الآن تهبط بنظرك إلى أسفل لكي ترى ذات السحب التي لم تعرفها في حياتك على الأرض إلا جزءاً من أعالي السماء. حينما تكاثفت السحب ظننتها تشبه الجليد الأبيض إذ يغطي الأرض حتى الأفق. لم أر الجليد إلا بعد أن هاجرت. ولم أر السحب وهي تشبه الجليد إلا بعد أن طرت!

الآن تتضح كروية الأرض بشكل لا يتسنى للواقف عليها. كلما ارتفعت عنها وتباعدت كلما ظهرت لك دائرية الأفق. ثم ظهرت لي من جديد خضرة هذه البقعة من الأرض! هل ترى البيوت كيف اصطفت في ترتيب حسن؟ هل ترى الشوارع كيف خططت؟ هل ترى مساحات الخضرة التي تتخلل المدن وتملأ الفراغات؟ هل ترى الطرق كيف شقت وتعددت؟ إن أرض الله واسعة، فلم يضيق بعض الناس في بعض البقاع أرض الله على عباد الله؟!

غير أن تجربة السفر في بطن الطائر قد تسفر عن ثمار أخرى غير اطلاع الإنسان على كروية الأرض ورؤية الجانب الآخر للسحاب! فقط عليك أن تحب الحديث إلى الناس، وأن تألفهم ليألفوك، وتسمعهم كي يسمعوك، وتحدثهم بصدق كي يحدثوك!

في رحلة قصيرة امتدت لساعة ونصف لم أحول نظرى إلى النافذة إلا في لفتات سريعة، إذ وجهت بصري وسمعي للشيخ الجالس إلى جوارى. هو قس كاثوليكي في التاسعة والسبعين من عمره، يسافر في البلاد حينما يطلب منه إلقاء بعض المحاضرات. قد يعتقد المسلم العربي في بلاد الغرب أن عليه أن يخفي هويته في هذا الزمن. إلا أنني رأيت في هذه الهوية ذاتها منذ أن انتقلت إلى الغرب أحد أسباب تدفق الحديث وخلق الفضول والتواصل مع خلق الله. طال حديثي مع القس، وياله من حديث! رأيت في عينيه طيبة وصدقاً، وعرفت ذلك من حديثه. تكلمنا عن مشاكل الدين والمتدينين على كلا الجانبين. حدثني عن تفاصيل شيقة من تجربته كراهب. عن حياة طويلة بلا زواج، سألته إن كان غياب الزوجة من حياته أمراً صعباً. قال لي بالطبع، ولم تكمن صعوبته في حاجات الجسد قدر ما نشأت عن الافتقاد إلى الصحبة. فالحياة دون زوجة تفسد على الرجل صحة العقل وصحة البدن. كما أن وجود الزوجة قد يساعد على ترويض حدة الغرور التي قد تصيب الراهب. قال لي أنه كان يجاهد ليحفظ على نفسه ثباتها، فالمتدينون ينظرون إليه نظرة تقديس، ويستمعون لكل ما يتفوه به على أنه الحكمة النفيسة والحق الذي لا يشوبه باطل. وهذه الطاعة الدائمة والتقديس من الناس قد تصيب ضعاف النفوس بشيء من جنون العظمة! ولذلك فهو دائماً ما ينصح حديثي العهد من رجال الدين أن يحترسوا فيما يتفوهون به من حديث، فلسوف يستمع إليهم نفر من الناس ويصدقونهم مهما خالف ما يقولونه صواب الحق!

حدثني عن بعض مشاكل الكتاب المقدس من وجهة نظره، وأن أقدم نسخ الكتاب المقدس المتوفرة تعود إلى ما بعد وفاة السيد المسيح بثلاثمائة سنة على الأقل. أعجبتني صراحته، وقلت له أنني أتفق معه تماماً في هذا الرأي، وسألته إن كان يعلم شيئاً عن عقيدة المسلمين في الكتاب المقدس. فأخبرته عنها لما نفى علمه، وقلت له أن رأيه في نظري يتقارب من عقيدة المسلمين عما طرأ على الكتاب المقدس عبر الزمن. حدثني عن لقاءات الحوار والتقارب بين رجال الدين المسيحيين والمسلمين، وكيف أنه حضر أحدها ذات مرة فكان حواراً ودياً لطيفاً، فما أن افترق الجانبان حتى وجد أصحابه يقولون له لا تصدق هؤلاء المسلمين! وأن عليهم ألا ينسوا مدى الاختلاف وما يعقتده المسلمون في بشرية السيد المسيح! أضحكني ما قاله وأدهشني من جديد تشابه الفكر بين رجال الدين على الجانبين ممن يفتقرون لانفتاح العقل وصفاء القلب، بل وأقول وصدق الإيمان! فما أقبح أناس يتحدثون إليك وفي حديثهم ود وعلى وجوههم ابتسامة، فما تكاد تغيب عنهم حتى تنفث ألسنتهم ما أبطنت قلوبهم من خباثة الكراهية وسوء الظن! إن خير مستقبل الإنسان يسكن في قلوب أمثال هذا القس من كل دين وجنس، ممن صدق إيمانهم بالله فصدق حبهم لخلقه.

إن جسد الإنسان ثقيل ما بقي حياً يدب فوق هذه الأرض، ولا يتأتى له الارتفاع فوق الأرض بذاته مهما تقدمت أدواته. أما ما يرفع الإنسان فوق الأرض وفوق كثير من الخلق فليس إلا رجاحة في العقل، ونظافة في القلب!

11 Jul, 2009

ظهور الزهور!

الكاتب: محمد شدو | التصنيف: لقطات أمريكية (صور)

صورة من أحد المدن الصغيرة في ضواحي مدينة شيكاغو.

Comments Off

25 May, 2009

شارع واحد وفصول مختلفة

الكاتب: محمد شدو | التصنيف: لقطات أمريكية (صور)

بين الحين والحين أكتشف أن عندي صور من فصول مختلفة لنفس المكان وذات المشهد، وقد نشرت ما وجدته من أمثال هذه الصور من قبل. وها هو اكتشاف جديد لثلاثة صور لنفس الشارع في أحوال جوية مختلفة. الأولى (من أسفل لأعلى) للشارع تغطيه عباءة الثلج البيضاء في فصل الشاء، والثانية في نهايات الشتاء بعد أن ذابت بعض الثلوج، والأخيرة بعد أن انقضت شهور الثلج الأبيض وبدأت شهور ازدهار اللون الأخضر.

Comments Off

18 May, 2009

متعة وحسرة!

الكاتب: محمد شدو | التصنيف: الحياة اليومية في أمريكا , تأملات ومشاهدات

لربما يذهب عقلك مع قرائة هذا العنوان إلى أنواع المتع المحرمة وما يتبعها من ندم. عافانا الله وإياكم! لكنني اليوم أتحدث عن متعة بريئة نظيفة، ومع برائتها فإنني لا أستطيع أن أنعم بها خالصة لوجه المتعة وترويح النفس. فقد تركت أوطاناً وعبرت بحاراً مدفوعاً إليها باحثاً عنها – بين أشياء أخرى – فإذا بي لا أكاد آتيها إلا وشابها شيء من الفكر والهم.. ولا مانع من بعض الغضب، وجرعة من الدهشة والعجب! أما النعمة فهي مشاهد الجمال في الأرض، ولقد قلت في موضع آخر أن طلب الجمال يكاد أن يكون فريضة على كل ذي فطرة سليمة!

أمر عليها أو أذهب إليها وهي مني قريبة، سهلة المنال، متاحة لكل مقيم وعابر. ولا يتطلب الأمر سوى عينين في الرأس حباهما الله نعمة البصر وقدرة النظر!

إنني أمشي في شارع سكني متوسط، فأنظر في بيوت قد اصطفت في نظافة ومنظر حسن، ورصيف واسع، تقف عليه أشجار كثيرة، ويتمدد تحتها شريط أخضر على جانبي الشارع. وأقول في نفسي ما أكثر أشباه هذا الشارع في هذا البلد، حتى تكاد ألا يحصر لها عدد! فهذا الجمال – وهو في رأيي شيء طبيعي ولا ينتمي بحال إلى فئة المعجزات – هذا الجمال ليس محصوراً على قطاع ضيق من أصحاب السلطة والمال (لاحظ من فضلك: السلطة أولاً!) ممنوعاً عمن سواهم، كما هو الحال في بلاد المفسدين في الأرض! هذا ما أراه في الأحياء المتوسطة، ناهيك عن أماكن التنزه العامة، أو ما تراه في مدينة كبيرة مثل شيكاغو تطل على بحيرة، فإذا بمن صمم المدينة (جزاه الله خيراً!) قد وضع متنزهات خضراء تمتد لأميال وأميال، على ضفاف البحيرة الواسعة. ثم قام عليها رجال – جيل من بعد جيل – فلم يقرروا أن هذه المساحات الخضراء الشاسعة أحق لها أن تردم، حتى تقوم على رفاتها شقق سكنية فاخرة تدر مئات الملايين على حفنة من “رجال الأعمال”! لقد تركوها لأصحابها: سكان هذه الأرض!

ما زلت أذكر ما قاله لى أخى الأكبر د. عبد المجيد بعد عودته من أول رحلة له خارج حدود الوطن إلى باريس منذ ما يقرب من عقدين من الزمان، فقد أثارت مشاهد النظافة والجمال في المدينة الفرنسية غيرة في نفسه على حال وطنه، وعبث بذهنه هذا السؤال الأبدي الذي لا يفتأ يتتبعني – وكأنه قبس من لعنة الفراعنة: ولم لا تكون بلدنا هكذا؟! وقد يتبعه هذا السؤال الآخر الملعون: إن مسؤلينا الكرام يسافرون إلى بلاد الفرنجة اللئام، أفلا يعودون إلى وطنهم وفي قلوبهم شيء من حسرة وبعض من رغبة أن يكون لوطنهم نصيب من النظافة والجمال؟ لقد كان الخديوي إسماعيل رجلاً ذا نخوة حين قرر أن يجعل مصر قطعة من أوربا، أو على الأقل أن يحاول. كان “رجلاً” و “ذا نخوة”، والكلام لكي يا جارة!

لكن اللوم لدينا لا يقع فوق رؤوس المسؤلين وحدهم (نرجو أن يقع فوق هذه الرؤوس بلطف حتى لا تنكسر!)، فنحن نتساءل أيضاً: وأين أغنياء الوطن؟ دعني أنظر في نموذج واحد ورقعة صغيرة من ربوع الوطن، وهي مدينة مولدي وحياتي الأولى: المحلة الكبرى. إن في هذه المدينة – على صغرها – قدر كبير من الثروة. ومع ذلك فما يصلني أنها تهبط في مدارج سوء الحال من قبيح إلى أقبح. ومعلوم أن الأثرياء في البلاد المباركة لابد وأن تكون لهم علاقات ود وصداقة مع السلطة. والسؤال المحير: ألا يضيق مليارديرات المحلة الكبرى بقبح مدينتهم؟! إن أموالهم وعلاقاتهم لها أن تمكن لهم في المدينة، أفلا يحبون أن يسكنوا ويعملوا في مدينة نظيفة خضراء؟ نعم نعلم أن أموالهم تتيح لهم السفر إلى بلاد الجمال والحضارة، لكنهم يا ربي يمضون طرفاً لا يستهان به من حياتهم في هذا القبح! قد تقود سيارة فارهة، ولكن ألا تزيد متعتك بها إن أنت نظرت من داخلها إلى خارجها فرأيت شوارع مرصوفة وأشجاراً تصطف على جانبي الطريق؟! وما تفعل ببضعة أمتار جميلة – سيارة وقصراً إن شئت – وسط صحراء جرداء من القبح وسوء الحال؟!

لا يكاد يتركني الهم بهذه الأفكار والعجائب كلما أعجبني ما أرى وقارنته بما تركت ورائي فنشب أظافره في نفسي وخواطري فلا أظنه مفارقي ما حييت! أذكر زمناً غير يسير قضيته في هذا البلد – مهجري – وفوق صدري هم شديد وظروف معاندة. كنت أرى في مشاهد الطبيعة في مدينتي عزاءً كافياً. كنت أختار أحد مواقعي المفضلة، فأذهب وأجلس وأنظر إلى خضرة كثيفة، وماء، وجمال يغلب على كل ما حولي، فأتحسر على أهل مصر، أين لهم بمثل ذلك؟! وأتذكر نفسي منذ زمن ليس ببعيد أقلب عيني فيما حولي بغم وفزع، وأقول ها أنا أعاين الإفساد في الأرض وأنظر إليه بعين اليقين! ويزيد الغم مع قرصة صوت الحق وهو يكرر: ليتنا نعيش في بلد فقير منكوب، لكننا نمشي وسط صفيحة قمامة عملاقة لأن الرجال من آبائنا وأجدادنا – رحمهم الله وغفر لهم – تركوا أبوابهم مفتوحة لقطاع الطريق! إن أرض مصر قادرة والله على إنبات الشجر وإسعاد البشر، وأهلها يستحقون مثل كل إنسان خلقه الله على الأرض أن يعيشون في ظروف قريبة من ظروف الأمريكي أو الأوروبي، ولم لا؟!!! (أرجو ألا يحدثني محدث عن عيوب الغرب إلخ إلخ إلخ، فأنا أعلمها جيداً، ولكن تعالوا نجعل بلادنا مثل بلادهم، ثم نجلس على الحشيش الأخضر، أمام بيوتنا النظيفة، في شارع سكني متوسط، ثم نقارن كما يحلو لنا ونفرح بمميزاتنا!).

رحمك الله يا خديوي اسماعيل حين رأيت الجمال الأوروبي فأردت أن تجعل مثله في بلدك… لقد كنت رجلاً، وفي قلبك غيرة الرجال ونخوتهم!

صورة من الشارع الذي أسكن فيه حالياً في مدينة شيكاغو، وهي منطقة متوسطة عن جدارة ولا تنتمي إلى الثراء بأي حال! وهو مشهد معتاد وطبيعي في الشوارع السكنية، وهنالك أفضل منه بالطبع في المناطق الأغنى.

لن تنمحي من ذاكرتي هذه اللحظة – ذات رحلة مشي مشمسة، في صيف شمالي أخضر – حين حدث موقف معتاد، فألهمني خاطراً أو شعوراً غير معتاد، ضحكت له في نفسي. فقد شعرت في هذه الوقفة الخالدة أنني إشارة مرور! وخبرت ساعتها ما تشعر به إشارة المرور من قوة وسيطرة، إذ تحظى على مدار اليوم بطاعة تختلط فيها الرهبة بالاحترام والإجلال. ولا يتحدى سلطتها جاهل إلا فى فترات متباعدة، فإن فعلها فاعل مجنون فلن يغادر موقع سطوتها إلا متبوعاً بنظرات الاحتقار فى أفضل الأحوال، أو بسيارة شرطة غابت عن نظره وهو يفعل فعلته، ويظن نفسه فاراً بجريمته!

لعلك تريد الآن أن تعلم هذا الموقف الذي جعلنى كإشارة مرور! أما أنه معتاد فهو كذلك بالفعل، ولكن تبعاً لموقعك في الأرض! فما يثير الدهشة بين قوم قد يمر عليه آخرون مرور الكرام، أو مرور اللئام (لدواعي توضيح الواضح: لا يندهش الكريم للكرم ولا اللئيم للؤم).

كنت يا أصدقائي ماشياً في مدينة أمريكية صغيرة، وبينما أنا أقترب من حافة الرصيف كي أعبر الشارع، فإذا بسيارة تقترب تريد أن تعبر الشارع نفسه، ولكن في عكس اتجاه عبوري له! فأصبح العبور مستحيلاً لكلينا معاً وعلى واحد منا، أنا أو السيارة، أو أنا وقائد السيارة لزوم الدقة، أن يعطي أولوية العبور لأخيه في الإنسانية. كنت قد وضعت رجلاً في الشارع وتركت الأخرى على الرصيف وهي على وشك أن تتحرك معي للأمام وتشارك في العبور، فرأيت السيارة تقترب فتراجعت للرصيف، فالشارع للسيارة والرصيف للراجل. إلا أن السيارة جاءت عند خط عبوري وتوقفت بكل احترام وإجلال في انتظار أن أواصل عبوراً تراجعت عنه! فانتظرت أنا الآخر وأشرت للسائق أن يتفضل بالمسير أولاً وأنا بعده، فأصرت السيارة اللطيفة على الوقوف حتى أعبر أنا أولاً! فأدركت أن السيارة تريد أن تعطيني أولوية لا تراجع فيها، فقبلت العبور وهي واقفة في سكون ورضا حتى أصل سالماً للضفة الأخرى. حينها خطر لي أنني كنت كإشارة المرور! فالسيارة حين رأتني توقفت فجأة ثم لم تحرك ساكناً. لن أخفي عليكم أنني كنت أعبر الشارع ماراً أمامها شاعراً بالشموخ والعظمة! والحق أن شموخ الراجل (لمن لا يعلم: الراجل بالألف لا علاقة بها بالرجل الذي هو مقابل المرأة ولكنه من يمشي على رجليه!) وعلوه فوق الراكب ليس بالشيء المستغرب في هذا البلد. فقد عرفته على مر السنين وتقلبي بين المدن والولايات، الصغير منها والكبير والمتوسط. ثقافة وقوف السيارة للمشاة هي السلوك المعتاد حقاً وفعلاً. ومن طرائفنا أننا نحب أن نقول وأن نظن أن “هؤلاء القوم” إنما يفعلون ما يفعلون خوفاً من القانون. لكن جميع السيارات التي وقفت لي وأعطتني الأولوية وأنا راجل لم يكن القانون ليجد ضدها شيئاً لو أنها تجاهلتني وعبرت. بل أحياناً ما كنت أنا العابر ضد القانون، يعني من مكان غير مخصص للمشاة، و رغم ذلك لم تفقد السيارات إصرارها أن تتوقف وترجوني أن أعبر أولاً! لذلك علينا أن نتواضع قليلاً لله وللحق ونقر أن مكارم الأخلاق ليست حكراً علينا – أو ما تبقى منها في ديارنا!

ومن عادات المهاجر المتأصلة دوام المقارنة بين بلده وبلد مهجره، وملاحظة الاختلافات، والتحسر على الغائب لدينا من محاسن العوالم الأخرى. فتعال معي في مقارنة بين لون المشاة في كل من مصر وأمريكا في عيون قائدي السيارات! الخلاصة: الإنسان في أمريكا إشارة حمراء وفي مصر إشارة خضراء!

نعم للأسف. ولا يحتاج المرء أن يسافر ويعبر البحار والمحيطات كي يفطن إلى ذلك. فقد كنت في مصر قبل أن أعبر لها حدوداً أضيق بالقريب والصديق والغريب إن ركبت إلى جانبه فرأيته أو رأيتها يرى عابراً للطريق يعبر أمامه فزعاً فلا يخطر له أن يقلل من سرعة سيارته حتى يطمئن العابر. وكنت إن قدت سيارة لا أستطيع أن أرى عابراً فأقترب منه في نفسي سرعتي، إذ كانت نفسي تقرص أذني وتوبخني إن لم أهديء سرعة السيارة ولو في رسالة رمزية للعابر المسرع ألا يخشى في عبوره ويطمئن، فإن سلامة الإنسان واطمئنان نفسه أكثر أهمية من تحرك السيارات ومن توفير الدقائق واللحظات! لكن قائدي السيارات في مصر يصرون إصراراً يومياً مقززاً على تجاهل البشر وكأنهم لا وجود لهم! وكأن العابر إشارة خضراء يقول للسائق أسرع ولا تبالي إنما أنا إشارة مفتوحة لا يتوقف لها أحد أو يحفل بها! بل وأذكر صديقاً مصرياً تزوج أمريكية وسبقته إلى مصر مع عائلته في زيارة قبل أن يلحق بها، وكان أول ما لاحظته وأفزعها أن “السيارات لا تتوقف للمشاة”! أذكر ذلك لدلالته كيف تؤثر الثقافات في إدراك الناس فيرون الغريب غريباً أو يرونه مألوفاً مقبولاً.

ولا أشك أنك ترى معي أن الإنسان يجب إن يكون إشارة حمراء في كل حقوقه، عابراً لطريق أو معبراً عن رأي، كارهاً لحاكم أو قابلاً له، مريداً للتغيير أو نافراً منه. هو إشارة حمراء في وقته ورزقه ومصالحه، وفيما له من خيرات أرضه وثروة وطنه. إنني أحب اللون الأخضر وأحب أن أراه في كل ركن من أركان وطني، تزدان به الشوارع وتتحلى به الحدائق، تصح به أجسام الناس وتنعم به أعينهم، لكنني أحب أن أرى الناس في كل مكان إشارات وحدوداً حمراء، يحترمها كل عابر احتراماً يجمع بين حب ورهبة، فإن تجرأ مجنون أو مجرم على تخطيها تتبعته نظرات الازدراء، وتعقبته سيارة “الأمن”، فتوقفه في منتصف الطريق، وتنذره إنذاراً غليظاً وتغرمه غرامة ثقيلة، أو تلف يديه في أساور من حديد، وترميه خلف أسوار محكمة، تحجب عن الأحرار أذى الفجار!

Comments Off

28 Dec, 2008

الصور الأخيرة

الكاتب: محمد شدو | التصنيف: لقطات أمريكية (صور)

هذه آخر صور التقطتها في مدينة إثاكا الصغيرة، قبل هجرتي منها إلى مدينة شيكاغو الضخمة، وكانت في فصل الخريف الشمالي جميل المناظر والألوان. في المدينة الصغيرة كان للتلال الخضراء والبحيرات والماء حضوراً قوياً، يحيط بك أينما ذهبت. في فصل الصيف، يكفيك أن تقود سيارتك على الطريق السريع لكي تنبهر وتندهش لجمال الطبيعة. أما المدينة الكبيرة فلها جمال آخر، جمال الأنوار التي تبعث الحياة في الليل، والحياة والناس والتنوع. لكل مميزاته ولكل نقائصه!

Comments Off

روابط جوجول الدعائية


عن الموقع

مدونة يكتبها مهاجر مصري يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، عن الحياة اليومية في أمريكا، والهجرة، وجوانب أخرى متعددة وصور من هذا البلد القارة.

تابع جديد المدونة على بريدك الالكتروني

أدخل بريدك الالكتروني هنا ثم قم بتفعيل الرابط الذي سيصلك في رسالة

Delivered by FeedBurner

فيديوهات صورتها في أمريكا